Skip to main content

هل عمرك فكرت تسمع أذنك؟

نشر بتاريخ: | ,

هل عمرك فكرت تسمع أذنك؟

5
(6)

في صباح يوم الثلاثاء الموافق 2 يناير، شعرت بتخفيف طفيف في صوت أذني المرتفع والطنين المزعج، لذا قررت الخروج لقيادة السيارة لإنجاز بعض الأعمال الضرورية. لكن فجأة، خلال القيادة، عاد صوت الطنين بشدة وارتفعت حدة الصوت مجددًا، إلى جانب الدوار وتشتت الانتباه، معلنة عن بداية نوبة من الدوار المزعج. حاولت بجدية السيطرة على الوضع وتركيزي على الطريق، لكن في نفس الوقت، بدأت أسمع همسًا في أذني يتزايد، ينبغي عليك أن تهتمي أكثر بي، أنتِ لا تصغين لي، لأعيش هذه اللحظة من الإهمال.

وسط تلاطم الصراخ والطنين بأذني  كنت أجاهد لأتمالك نفسي للعودة للمنزل وصراخ أذني يعلو رويدا رويدا.. بشرى أنت غير منصتة لي .. بشرى أريدك أن تستمعي لي.

وصلت للمنزل  والدوار وصراخ أذني يعيق حركتي للوصول إلى غرفتي . أترنح عل درج السلم . كل خطوة تصعب في ظل ضجيج أذني المؤلم .

وهناك استمرت أذني تهمس لي : بشرى .. بيشو . طلبي لك أن تسمعيني أحتاج أن أخبرك وأفضفض لك .. طوال السنوات الماضية كنت بقربك أحاول أ ن أسمعك كل الأصوات التي تحبيين وتصنعيين ذاكرتك السمعية من خلالي . ترددت كلمات أذني المنكسرة وهمساتها، تناديني باسمي، تطلب مني أن أفتح قلبي و استعد لسماعها.

في هذا الصمت المخيف الذي يعم مساحة الغرفة، وفي ظل تلك الصرخات الداخلية التي تعلو، تعود صدى كلماتها الهادئة والمتوسلة لتترنح في زوايا الوجدان، كالنسمة اللطيفة التي تلتف حول القلب المنهك، تحمل رسالة الأمل والشفاء.. تردد أذني وتهمس لي مجددا: “أعتقد أن حان الوقت لتنصتي لي قليلا أرجوك .. أنا حقيقة لا أريد أيذائك هذا الطنين والدوار التي تشعرين به هو صوتي المخنوق منذ زمن .. حريريني قليلا وستعوديين بخير”. بين ضجيج الطنين وصراخ الدوار، تتسلل كلماتها الرقيقة، تلك الكلمات التي تطلب بصمتٍ مرهق، الاهتمام والتركيز.

في كلماتها، تشعرني بأهمية وجودها، بأنني لست وحيدة في محاولتي للتغلب على هذا الصراع الداخلي. فهي تعرف تماما كيف تربطني بالعالم الخارجي، كيف تنقل لي كل الأصوات والمشاعر بدقة وحنان، كي تكون الجسر الذي يربط قلبي بالعالم الحقيقي

تضيف “بشرى أعرف أن ذائقتك الصوتية عالية وتردد الأصوات لديك يرتبط مباشرة بقلبك لهذا رفعت صوت الطنين بأذنك هذه المرة… أحتاج أن تركزي قليلا معي، تعلمين جيدا أني ملتصقة بك هنا أشاركك أوقاتك… وأنقل لك الأصوات بكل مشاعرها لتصل لقلبك بنقاء”.

في هذه اللحظة، أدرك أننا متشابكات بوثيقة لا تنقطع، وأن صوتها يعبر عن لغة الروح التي لا يفهمها إلا من تقترب إليه بصدق وحنان. وبينما أغلق أعيني وأستمع بتركيز إلى كلماتها، أدرك أن الشفاء يبدأ بالاستماع، بالتركيز، وبالتواصل الحقيقي.

وسط عتمة الغرفة، امتددت على القراش، محاولة الابتعاد قليلا عن صخب الحياة وضجيج الواقع، ومع كل لحظة تمتد، يتسلل الألم من صوت الطنين الذي يعصف بأذني، متجاوزا حدود الصمت والسكينة، يتدفق مع دموعي المنسكبة على جانبي العينين.

أنا هنا، وأذني المؤلمة تعرف ذلك، تعرف مدى تعبي وإرهاقي من هذه الصراعات الداخلية، فتنزف الدموع كمنبع منسكب، ترافقها سيول من السائل الأصفر الدبق الذي يلفظه أذني بلا هوادة. أمسح دموعي بنفس المنديل الذي استخدمته لتنظيف سوائل أذني، وأهمس برقة لأذني، معبرة عن استعدادي للاستماع، للتواصل الحقيقي، ولشرح ما يثقل كاهلها.

تعلوا الطرقات بأذني كأنها تنبهني وتقول: أعتقد أنه سيكون يوما مثاليا إنك سمحت لي بالكلام والتعبير. شكرا لك.

أنت تعلمي جيدا أن الأيام الماضية كان صخب الأصوات من حولك عاليا ومجهدا، كنت أتحايل على الأصوات المجهرة وأنقل لك فقط ما يسعد قلبك، متجاهلة ما يثير الضجيج والاضطراب في داخلك… ربما الوقت قد حان لأعترف، هنا، بأنني كنت أنافقك، لكن بصدق أحببت لك السعادة أكثر من أي شيئا آخر. كانت هناك العديد من الحوارات التي استمعت إليها، ولكني لم أجرؤ على نقلها لك كما هي، لأنك كنت تحاولين بكل جدية إخفائي وتجاهلي، سواء كنت تحت الحجاب أو بشعرك القصير، وهذا الأمر جعلني أشعر بالوحدة، وأنا أتوسل إلى الهواء لكي أستطيع نقل الأصوات إليك، لكنك كنت دائما تحاولين طمس وجودي وتجاهلي

حتى يوم أضفت بعض الخرم لي وتدلت الأقراط بأشكالها المختلفة منها لم تتباه بي. وكنت تتعمدين إسدال شعرك حتى لا تنتبه أمك للعدد المتزايد للأقراط بأذنك. لكن هذا الاهتمام الخفي كان يصنع علاقة جديدة بيني وبين الأقراط، فقد كانت هي من تواسيني وترافقني في لحظات الوحدة، تدندن معي في كل حركة لرأسك، كمن يشاركني أسرار الحياة بصمتها العميق

وفي هذا الصمت القاتم، وأنا محاطة بصوت طنين أذني العالي الذي يغلب كل صوت آخر، أسأل نفسي كيف ستكون ذاكرتي السمعية بعد اليوم؟ كيف سأصفها، وماذا ستحمل من صدى؟ يتساءل عقلي المضطرب، وأنا أتأمل الصمت الساكن والوحيد الذي يحيط بي، كيف ستصبح ذاكرتي بعدما تختفي منها كل الأصوات الأخرى، ويبقى فقط طنين أذني المستمر؟ هل ستتشكل ذاكرتي من هذا الصوت المتواصل؟

أعلم تماما حبي للأصوات، وكم أنا مستعدة للاستماع إلى الآخرين ومشاركتهم، فغالبا أعتبر ملاذا للأصدقاء، المكان الذي يثقون به ليسمعوا أصواتهم ويروون أسرارهم، وأنا أخذ على عاتقي هذه الثقة وأعيها جيدا. ولكن في هذه اللحظة، وأنا أتساءل كيف لم يخطر ببالي يوم أن أقدم نفس الاهتمام والاستماع لنفسي؟ كيف لم أحاول يوما أن أستمع إلى ضجيج قلبي وصوت أفكاري؟

وفي هذه اللحظة الصامتة، تخبرني أذني بأنها كانت هنا طوال الوقت، ملتصقة بسماعتي في الموبايل، تعرف كل قصصي وقصصهم، تميز نبرات أصواتهم وتفسر رسائلهم المباشرة وغير المباشرة التي غالبا لم أستطع استيعابها حتى الآن. كانت أذني تحاول تصفية المشاعر لي، توصلني بالحقائق عبر الأصوات، لكني كنت دائما متأثرة بعواطفي، متضامنة مع الآخرين ونسيانا لروحي المحطمة التي تعاني الآن بتواجدها هنا، تخضع فقط لطنين أذني المستمر.

تضيف أذني: “أشعر أحيانا بالذنب لأنني كنت محايدة في نقل الأصوات لك، لا أستطيع المشاركة والتوجيه، لذا؛ حاولت ترجمة الأصوات إلى مشاعر، لكنك كما العادة فشلت في استيعاب المشاعر، ولم تفهم الحقائق والكواليس الدقيقة التي حاولت إيصالها إليك.

أعتقد أن السخرية التي تعرضت لها بسبب كبر أذنيك منذ صغرك، أدت إلى قطع اتصالك وتواصلك معي، حيث تتعمدين بشكل مستمر حجبي، وهذا الإخفاء دفعني لمحاولة تعميق اتصالي بك ومساعدتك في فهم الأصوات من حولك وتوصيل الرسائل لك بطريقة تجنب حساسيتك.

أدرك تماما أنك لا تزالين ترغبين في إخفائي، ولكن أود أن أخبرك بأن الأذن الكبيرة تعتبر علامة على الحظ والسعادة في بعض الثقافات، وأعتقد أنك تؤمنين بهذه المعتقدات. انظري إلى نفسك بانتباه، فأنت بالفعل محظوظة لأن الجميع من حولك يسعون لراحتك وسعادتك، وابتسامتك تشع نورا، وأعتقد أن الجميع يعجبون بها، فأسمعهم جيدا”.

تضيف أذني اعتقد أنك تحتاجين لأن تتألمين قليلا، حتى تجددي طاقة السمع لديك وتحسنين ارتباطك بها، قهذا الطنين المستمر… أتعمد ان يكون مؤذيا بعض الشيء… لا تخافي سيساعدك على التواصل والفلترة فيما بعد… ربما انت لست بخير حاليا… ولكنني أنا أيضا لست بخير، تلك السماعات الصغيرة تزعجني، تزعجني الأصوات البعيدة القادمة ألى أذنك وهيا تحاول جاهدة تخديرك والتحكم في مشاعرك وهذا الإذعان التي تمارسينه دون أي مكابدة لفلترة الأصوات لوحدك دون تدخل مني.

تنهي حوارها معي لتضيف: تأخذين على عاتقك الكثير دون أن تأخذي الوقت للتفكير، وهذا ما يثقل على قلبك وعقلك. الإستسلام الذي تظهرينه يضغط على، وسيظل طنيني مستمرا حتى تتعلمي كيفية تصفية الأصوات المحيطة قبل أن تؤثر عليك.

اليوم هو 18 فبراير مضى على ارتفاع طنين أذني 47 يوما… أجلس هنا بغرفتي أحاول اصلاح علاقتي بأذني وهيا مستمرة في طنينها المتقطع وبعض التذبذب في السمع.

ماتقييمك لهذا المنشور !

المشاركة على مواقع التواصل الإجتماعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *