Skip to main content

مشاهد العرس 2

نشر بتاريخ: | ,

مشاهد العرس 2

4.7
(16)

كنت برفقة ثريا وأروى وخالتي عائشة وخالتي زينب وتماضر، جميعا نجوب شوارع طرابلس في جولة تجهيزات سريعة للعروسة، واستكمال ما ينقصنا من حاجيات. طرابلس بالنسبة لي غالبا ليست مكانا للاستجمام لا أعرف لماذا لا أرى طرابلس كمكان مناسب للعيش والاستقرار، تخنقني المدن الكبيرة، والحركة السريعة بها، هيا محطة سريعة لقضاء بعض الحاجيات وإنهاء بعض المهام والعودة سريعا لسبها حيث أنتمي. ابتدأت جولة التجهيزات العرس بإفطار جميل بمقهى دافيومع الصديقات. الخفة في اللقاء، والحوارات والضحكات جميعنا من سبها التقينا لنعلن انطلاق الاحتفال الرسمي بالعروسة وهيا تبدأ رحلة التجهيزات للفرح.

آخر فرح شهدته عائلتنا كانت تجهيزاته بسيطة لم تأخذ ألا بضعة أيام، فجميعنا كنا خارج البلاد. لنعود لليبيا وننهي تجهيزات الفرح بأسبوع ونكمل الحجوزات. لينتهي بنا المطاف بفرح خفيف لليلة واحدة. أما فرح تامي فقط امتدت التجهيزات شهرين كاملات، لا أتذمر هنا… شكرا لأنك سرقتي وقتي بذكريات جميلة.

كل الأشياء كانت مكتظة بداخلي أثناء تجهيزات وفي خضم زحمة الفرح أجد نفسي مرتدية الترانشكوت الأخضر وأقود السيارة محملة بقوائم مهام طويلة وفي أحيان كثيرة أختنق بزحمة المرور في ساعات الذروة وأحيانا أخرى نتهستر من الضحك بصحبة تامي ونحن نجوب المحلات، كانت بالفعل رحلة التجهيزات استراحة ممتعة في وسط المشاغل. حاولت قدر الإمكان خلال شهر نوفمبر وديسمبر الاستمتاع بالفوضى تاركة التنظيم والتخطيط والتنسيق جانبا، فكل شيء كان يسير عكس مخططاتي وروتيني اليومي المعتاد لأجد نفسي أقضي ساعات طويلة وسط صخب حوارات العائلة حيث أحلام اليمنى وعلي العريبي بالخلفية وأحاديث متنوعة وأصوات عالية وأداء سريع في الحوار لأحاول أنا من بينهم أن أقتنص لحظة لأشاركهم الحوار وأفشل كعادتي.

سأشارككم محطات بسيطة من لحظات التجهيزات:

رحلة الحلويات

كانت الخطة الأولى أن تتم الاستعانة بأحد المعامل لتوفير الحلويات. لكن سميرة أختي غيرت الخطة بالكامل لننقل معمل الحلويات بأكلمة لبيتنا طوال شهر نوفمبر تحت إشرافها. هنا تغير روتيني، فعطلة نهاية الأسبوع لم تعد لي من بداية هذا الشهر ووقتي كله للمساعدة في إعداد الحلويات. حقيقة أعتبر عملية برم الكعك وتناسقه المهمة الصعبة التي لم أستوعب إلى الآن كيف يتم تناسق العجينة بشكل أسطواني لتكون جاهزة للبرم وتكويرها على شكل خواتم كبيرة. ما علينا ، المهم أنني خلال نهاية الأسبوع الجمعة والسبت طوال هذا الشهر تستطيع أن تشتم رائحة الحلويات الفرن من بداية الشارع عند وقوفك بمفرق الشارع أمام كوشة لنقشي حيث غطت رائحة الكعك والحلويات من بيتنا على رائحة الخبز هناك، وبهكذا أعلنا انطلاق العرس بشكل رسمي.

الدروس المستفادة أثناء تحضير الحلويات أن العجينة المعجونة بزبدة ومن غير ماء، بتنضج بشكل أسرع بالفرن، أما العجينة المسبوكة بالماء تأخذ وقتا أطول. هذا الدرس تعلمناه من خالتي عائشة وكنا نتباهى بهذه المعلومة ونكررها فيما بيننا والسعادة تملؤنا. شاركتنا هناء أيضا التجهيزات وانضمت إلى جملة المقيمين ببيتنا في نهاية الأسبوع.

يرتفع حس الزغروتة يصدح من حنجرتي، تحت تهليل العائلة ” زغرتي يا بشرى”. فهذه المهمة التي أحب وأنا أطلق العنان للساني يصدح عاليا وأردد “يا مبروك على وخيتنا اللي دارت فرح ولمتنا”… “أمه جابته يوم هناء اللي حصلها أختي أنا”

 المناديل

كنت قبل أيام من بدأ التجهيزات أضحك ساخرة من التجهيزات السخيفة للبعض في المناسبات كطي المناديل والوقت المستهلك في هذه العملية، كنت أتساءل كيف هكي ما عندهم ديدلاين، تقارير وابحات تبي تسليم، أفلام وكتب متكدسة في قوائم لازم يكملوهم. فجأة، قررت تامي أن تغير من الوضع، حيث لم تعجبها تشكيلات المناديل الجاهزة المتوفرة في السوق، فقررنا أن نبتكر بأنفسنا ونقوم بتطبيق المناديل، اجتمعنا على هذه المهمة لمدة أربعة أيام تقريبا، لا شاغل لنا الا طي المناديل وبعض النميمة والسخرية في حواراتنا التي نتناولها أثناء تنفيذ هذه المهمة. المهم ان هذه المهمة السخيفة كانت تحت اشرافي والأفكار المقترحة لتطبيق المناديل كانت من اختياراتي.

المهمة السخيفة التي أشرفت عليها بنفسي 🙂

شموع الحنة

فكرة “شموع الحنة ” جاءت كفكرة مبتكرة لإضفاء جو من المرح والبهجة، ولتخليد ذكرى العروسة في قلوب الفتيات. كانت هذه الفكرة غير مألوفة في طقوس الفرح التقليدية في بيتنا بالسابق، فلم نسبق القيام بأي شيء مشابه لها خلال الاحتفالات السابقة بالزفاف. عملية تجهيزها كانت من ثلاثة عناصر إذا كان هناك شريط وشمعة ووردة ولصقة والكثير من الضحك. ولذلك، كانت ردود الأفعال المختلفة من التعجب والدهشة والضحك تتخلل عملية وضع الحناء وشريط الشمعة من فوقها واشعالها، فكل هذه العناصر كانت تهدف إلى إضفاء جو من الفرح والبهجة والتفاؤل. بالنهاية، تجلت بهجة جميلة وضوء مشرق من خلال فرحة العروس وهي تضيء لنا الشموع وتضع الحنة، رمزا للفرح والحظ السعيد في حياتنا المستقبلية. أعتقد بأن تامي قامت عن عمد بنشر الفرح في قلوب الجميع من خلال هذه الفكرة المبدعة.

مفاجأة ايلي كافي

ثريا لم تكن موجودة بوقت الخطبة بسبها وفاتتها كل هذه التجهيزات لكن أصرت على ان تحتفي بخطبة تامي بطريقتها. كنا قد انهينا جولتنا بطريقة المشتل وانتقلنا لشارع طريق زناته الجديدة لأختيار الفيلو، بلطف الله استقرت تامي على الفيلو المناسب من ثاني محل، كنت انا وخالتي زينب نتسائل كيف لنا ان نكمل هذا الشارع كله بحثا عن فيلوا متخوفيين من دوق تامي وتطلباتها. اانتهينا من اختيارالفيلوا واتفقنا مع صاحب المحل على عملية التوصيل لسبها. المضحك ان رغم تعامله الجاد مع زبائن من سبها، صاحب المحل لا يعرف سبها أين تقع، وكمْ تبعد عن طرابلس، فطريقته فالتوصيل كانت غريبة، حيث يرسل الفيلو من طرابلس لبنغازي ومن ثم لسبها وبهذا الفيلوا يسافر من الغرب اللى الشرق ومن ثم للجنوب في رحلة عبر البر طولها 2400 كم. وكأنه يحاول أن يوزع بركات الفرح على ليبيا كلها قبل أن تحط رحالها في بيتنا. أخبرته بأن سبها تبعد عن طرابلس 750 كم لماذا الرحلة الطويلة هذه، أخبرني أنه آخر محطة بعد طرابلس وصل لها هيا غريان فلا يعرف الطريق ولا المسافات. نحتاج حقا أن نعلم أطفالنا خريطة ليبيا وتحديدا أين تقع سبها. الأمر مزعج حقا ربما سأدون لكم لاحقا عن هذا الأمر ومواقفة التي أتعرض لها بكل مرة أشارك الجميع أني من سبها ربما ستكون التدوينة كيف يرى باقي الليبيين سبها أعتقد أنها ستكون تدوينه مليئة بالسخرية .

اتفقنا معه على ان تكون رحلة توصيل الفيلو كما يريد المهم أن يصلنا الفيلو قبل الفرح بيومين. وكان ذلك بالفعل، شكرا باميلا سبوزا كنتم رائعين بالخدمات الجميلة والمرنة.

بعد انتهائنا من اختيار الفيلو، اتفقنا، أمام تامي، على العودة إلى بيت خالتي. توجهت أنا وخالاتي إلى الكافي للاتفاق على تفاصيل المفاجأة السريعة التي كانت مخططة لتامي . انضمت إلينا ثريا وأروى وتامي فيما بعد، وكان الوقت متأخرا حقا، الساعة تقريبا الثامنة مساء. ربما كان هذا الوقت بداية السهر لبعضكم، ولكن بالنسبة لي، كان وقت الاستعداد للنوم. ومع ذلك، أصرت ثريا على هذه المفاجأة لتشارك تامي فرحتها.

وفي الكافي، كانت المفاجأة بانتظار تامي، وكانت عبارة عن قطعة جاتوه تزينت باسمها وأغنية سجل ياتريخ كذا سجل ودعنا حياة السنجل بالخلفية. تامي شخص لا يتفاعل مع المفاجأت . تماما كما تصرفت عندما قرر صديقاتها مفاجأتها بعيد ميلادها واعداد حفل مصغر لها. لن أحكي لكم التفاصيل هنا، تامي غريبة في استجابتها مع المفاجات.

الترنشكوت الأخضر

العلامة الدالة على بشرى، النظارة والوشاح الأبيض والترانشكوت الأخضرأعتقد أن السكان بسبها والشوارع حفظت هذا اللوك طوال شهر نوفمبر وديسمبر. في كل طلعة يومية، كان الترانشكوت الأخضر يصاحبني، ملطخا بغبار الشارع وآثار السيارة، يبدو كمرافق لا يمكن الاستغناء عنه في مهامي اليومية للتجهيزات. كان يتحمل عبء الحركة المتكررة، ويعكس حالتي النفسية المتعبة،، كان الترانشكوت الأخضر لا يكتفي بالمشاهدة، بل كان يشكو ويصرخ، ولكن ليس بصوته، بل بمظهره المتهالك وآثار التعب التي ترتسم على وجهه المتراكم بالغبار. فكان يبدو كمرآة تعكس حالتي النفسية والجسدية، فكلما انكشفت طبقات الغبار عن جسده، كانت تنكشف طبقات التعب والإرهاق عن واقعي.

ومع كل يوم يمر، كان الترانشكوت الأخضر يحمل معه قصصا وذكريات جديدة، ليس من خلال أصواته، بل من خلال آثار الغبار عليه. إنه لم يكن مجرد وسيلة تدفئة، بل كان رفيقا وشاهدا على كل ما مررت به، يختزن أسرار الطريق وينقل وحكاياتي بكل حزنها وفرحها، ويعيد لي تذكر الرحلة التي قطعتها قبل أن أصل إلى مفترق الفرح.

أود فقط أن أخبركم؛ فقد قمت بغسل الترانشكوت وتعليقه، والآن هو جاهز للمرور إلى مغامرة جديدة لا أعلم أين سينتهي به المطاف. سيجد بيت جديد وخزانة جديدة، وسترافقه روح جديدة تتربع على كتفيه. الجدير بالذكر هنا، أنه ينبض بطاقة الفرح، فهو يستعد لبداية مميزة ورحلة جديدة مليئة بالمغامرات المثيرة.

ماتقييمك لهذا المنشور !

المشاركة على مواقع التواصل الإجتماعي

تعليقات (3)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *