Skip to main content

25 أكتوبر

نشر بتاريخ: |

25 أكتوبر

4.7
(14)

عدت من طرابلس بحقيبة مليئة بلحظات جميلة وشمعة معطرة برائحة برجاموت ، تصاحبني الآن عطرها وأنا أكتب هذه التدوينة بمكتبي. حبي للبرجاموت ابتدأ من كريمة يد شاركتها معي زميلة ذات يوم وعند استعمالي شممتها ومن يومها فتنت بحب البرجاموت وكل الأشياء التي يدخل فيها البرجاموت وبالتأكيد معظم الأصدقاء يعرفون افتنان بشرى بشاهي earl grey tea. والمزاج الجميل المصاحب له أثناء شرابه وشاعرية بشرى وهيا متحمسة للحديث عن الشاي وتركيبته ووصف تداخل البرجاموت مع الشاي الأحمر. وإصراري على أنه شايا يكيف خلايا الجسم بالشم وحده فما بلك بشرابه. لأول مرة يتعطر مكتبي بشمعة برجاموت فقد احتل اللافاندر والياسمين رائحة مكتبي خلال السنتين الماضيتين.

رحلة العودة من طرابلس لم تكن بالطائرة بل بالسيارة عبر رحلة ليلية، تعود بي رحلات السفر عبر البر عقدا من الزمن حيث كنت أهرب من الجامعة قافزة مع أي سيارة من إخوتي متجه لطرابلس دون هدف تاركة المحاضرات والامتحانات والتدريب العملي ومتجهة بلا هدف لطرابلس. كمْ كنت عشوائية ومغامرة قبل. هذه المرة الرحلة كانت بعد المغرب لنصل سبها عند الساعة الثانية والنصف ليلا تماما كما كنا نسافر من قبل ووحده محمد حسن يعرف كيف يطوي طول وبعد المسافات ويحليها بترنيماته الموسيقية الهادئة حيث سمحة والخاطر زاهيها، ولأنك حبيبي… كانوا رفقتنا طوال الثماني ساعات.

لم تتح لي هذه الزيارة القصيرة لطرابلس لقاء كل الصديقات وأشعر بحزن أنني لم أتمكن من لقاء نورا وسميرة رغم كل محاولاتنا التي باءت بالفشل في محاولة ترتيب موعد للقاء. يبدو أن طرابلس لم تسرق أحبتي وحسب بل تكبلهم بساعات عمل مرهقة وطرق مزدحمة تجعل التواصل شبه مستحيل.

هذه السبهاوية المتجذرة بكل أبعادها في صحراء الجنوب وجدت من الصعب عليا التماهي مع اللغة الطرابلسية الناعمة الرقيقة. حيث يتعمدن البنات إسكاتي بالسوق بلساني السبهاوي الثقيل.

-  اسكتي احنا نسألوا عن السعر عشان ما يغشوننا.

وتسمع قدااااش تصدح بها أروى أو ثريا بنات خالتي وهنا متمكنات من اللهجة الطرابلسية بكل أبعادها. 🙂

سائقة التاكسي ذاك المساء وأنا أتحدث مع أختي باغتتنا بالسؤال المعتاد منين؟

لنجيب بنفس واحد من سبها

تضيف السائقة: أختك باين عليها سبهاوية من شكلها وكلامها.

أنا بالخلف أهلل يس يس يس. مش ديمة نقول كم أنا سبهاوية أصيلة.

السائقة بالأمام تسخر مني وتضيف، فرحانة لأني قتلك أنت سبهاوية، غريب أمرك أول مرة نلاقي حد هكي

الغائب عن السائقة اننا نتباهى في البيت من مننا السبهاوي الأصلي من حيث اللهجة والثقافة والمباديء. آخر جلسة كانت أثناء التحضيرات لخطبة أختي في حوار بين أخواتي وأروى ونحن نتنافس بمن منا يحمل قاموس للكلمات السبهاوية أكثر من الثاني. هذه الحوارات العشوائية على صفرة الغذاء لا تحمل بعد فلسفي ولا معرفي عميق. لكن هذه التفاهة في الحوارات العائلية عميقة رغم تفاهة شكلها حيث تزرع فينا نوع من البهجة ونحن نحاول ان نذكر أنفسنا بجذور هوية تكاد تعدم وسط صخب الحياة وتداخل الثقافات عليها.

أحب الإستماع دائما لحوارات التاكسيات. احداهن بدأت الحديث معاها مشيرة لرواية ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور الموجودة على كرسي السيارة بجانبها (الفارق في الأمر انا من بدأت الحديث معها 😊). أمال تدرس الماستر أدب عربي وفي ساعات الفراغ تشتغل عبر سياراتها المسجلة بتطبيق التوربو كسائقة تاكسي. تجادبنا الحديث عن رضوى وكتاباتها في الحقيقة رضوى سارقة قلبي تعرفت عليها بمرحلة الثانوي عبر مجموعتها القصصية تقارير السيدة راء، كنت قد استعرتها من مكتبة المدرسة. تحدثنا عن كيف أن كتاباتها ليست محملة بالفن وحده بل بتاريخنا الخاص والمشترك. وأضافت أن لديها ابنتان في الأعدادي لم تستطع رغم كل محاولاتها أن تحببهن في القراءة رغم اهتمامها بهذا الأمر معهن. يترك في نفسي تساؤل كيف نورث هذه الصفات لأبنائنا؟ هل يمكن لحب القراءة أن يورث؟ هل يمكن للهدوء والسكينة أن أورثها لأبنائي؟

هذه المرة عدت من طرابلس وكل ما أريده أن أختفي لأعتزل قليلا، كنت خلال العشرة أيام هذه كثيرة التواصل والحديث والتشبيك والإبتسام أشعر أني بالفعل مستنزفة ذهنيا. لماذا لا نملك خاصية الإختفاء المؤقت كذلك العمود الغير مرغوب به بالأكسل. أعتقد أني لدي رغبة كبير في الانسحاب مؤقتا. سأقضي عطلة الأسبوع هذا مستلقية ع السرير وسأطفأ لمبة الفضول والأسئلة، أحتاج وقت مستقطع لأدخل به نوفمبر وأنا مزهوة تماما كما فعلت بنوفمبرالعامين الماضيين.

ماتقييمك لهذا المنشور !

المشاركة على مواقع التواصل الإجتماعي

تعليقات (2)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *