Skip to main content

ماكينة خياطة أمي

نشر بتاريخ: |

ماكينة خياطة أمي

4.6
(14)

قضى أخي صباح هذا اليوم وقته في صيانة ماكينة أمي واستبدال بعض القطع بها وتزييت محركها. وهذا يعني أنه أعاد الحياة لماكينة أمي الشهيرة وسط العائلة كلها وعودتها للعمل من جديد. تسارع رسيل كعادتها لتكون سباقة جالبة بنطالا لتعديله وتنقصيه لجديدتها للعمل عليه، رسيل تحب الأشغال اليدوية وكل الأعمال المصنوعة يدوية لها قيمة خاصة لديها، فتسارعت لانتهاز فرصة صيانة الماكينة لتسليم مهام عمل جديدة لأمي. جلست بجانبها متسائلة عن طريقة عمل كل قطعة وجزء بالماكينة وعن كيفية انتقال الخيط من الماكينة للملابس منبهرة بآلية العمل وكعادتها لا تفتأ من تكرار الأسئلة حتى الحصول على إجابة وافية، كعادة كل الأطفال في هذا العمر ومن حبها الشديد لكل الأعمال اليدوية والمصنوعة من قبل أمي فإنها الداعم الرئيسي لجدتها من بين الأحفاد وكل المشغولات اليدوية المصنوعة من قبل جدتها (أمي) لها معزة خاصة لدى رسيل. أحاكت مرة أمي تنورة من بقايا الأقمشة لها تشبه في تداخل الأقمشة وتنوع ألوانها بزي لاعبي السيرك، ظلت مرتدية التنورة لفترة وتتعمد لبسها في كل مرة تأتينا زيارة لتريها لجدتها. رغم تعليقاتنا السخيفة علي ألوان التنورة. لم تبالينا أي اهتمام. إن كان لأمي معجبي فرسيل هيا أولى المعجبين والداعمين لها.

تهوى أمي الخياطة رغم تقدمها بالعمر وضعف بصرها، لا زالت تستمتع بتشغيل ماكينة الخياطة من فينة لأخرى، لنجلب جميعا قطعا مختلفة تحتاج لبعض التعديلات والقص والترتيب. تتفحص أمي كل قطعة أشتريها من السوق وطريقة حياكتها وترتيبها وتسألني على سعرها، لتقدر على أثرها سعر القماش واليد العاملة وتردد “ضاحكين عليكم، خياطة سهلة ولا تستحق هذا السعر”.

كانت مهنة الخياطة تلقى رواجا واهتماما واسعا بخمسينيات وستينيات القرن الماضي باففتاح السوق بسبها وازدياد تواصل سكان المدينة بالشمال، تحكي لي أمي عن الأطرش القادم من سوكنة وعن على الهمالي بمحال خياطتهم بسوق الجديد. تخبرني أن قدوم سيدة تونسية نسيت اسمها تسكن بباب عيسى بالمدينة القديمة أدخلت تفصيلات أكثر حداثة لهن وهنا صبيات صغيرات بعمر المراهقة بنهاية الخميسنات، أصبحت الفساتين البناتية بتفاصيل أكثر عصرية، بها بينسات متوازيات وتبليسات بالتنانير وقصات كمْ مضبوطة ومرتبة. تضيف كانت تعاملنا كأميرات بذلك الوقت.

اقتنت أمي أول ماكينة لها بعمر الرابعة عشرة بعام 1962، منعها في ذلك الوقت والدها من استكمال الدراسة فقررت أن تتعلم الخياطة، كانت تبيع مشغولاتها بمحل جدي تخيط الثوب العربي وفساتين الفتيات والنساء. تقضي معظم نهارها على الماكينة وتستغل هدوء المساء في الدراسة مع صديقتها وبنت الجيران مبروكة إبراهيم بالسر حيث كانت قد وافقت إدارة المدرسة وقتها على أن تأتي أيام الامتحانات فقط

تعلمت أمي الخياطة من ابن خالتها، كان هذا أقرب شخص بالعائلة يملك ماكينة في تلك الفترة بمطلع الستينيات، تعلمت التفصيل، الحياكة، طريقة استعمال الماكينة، الصيانات البسيطة لها واستمرت تحيك وتسوق عملها بمحل جدي بالسوق. كان طلب السوق للخياطة بأي وقت لأن من الصعب الحصول على الملابس الجاهزة كما هو الحال اليوم. استمرت أمي بالخياطة لمدة أربعة أعوام متتالية وتركتها بعد عودتها للدراسة حضوريا بالمدرسة وقد اجتهدت أمي وأكملت دراستها حتى تخرجت من معهد المعلمات في صيف 1968 كتاسع معلمة على مستوى المدينة.

ماكينة أمي الأولى كانت تشتغل بضغط على بدالي الأرجل للانعدام الكهرباء وقتها، استمرت معها عشر سنوات، ماكينتها الثانية هيا نفسها ماكينتها الحالية لها تمتلكها منذ عام 1980 وكانت رفيقتها المنتجة بفعالية خاصة في ظل فترات الحصار وشح الملابس بالأسواق التجارية لتعيد أمي الحياة للماكينة لتحيك الملابس لإخوتي وأخواتي، أنا أيضا كانت ملابس طفولتي محاكة يدويا بعد ذلك في الألفينات قل الشغل والاهتمام بالخياطة وانحصر الأمر على استعمال الماكينة في التعديلات والقص وترتيب القطع المشترية الجاهزة من السوق.

في الآونة الأخيرة ظهرت بالسوق عدد من المصممات المحليات وافتتحن دور أزياء محلية خاصة بهن وأعيد الطلب على الإنتاج المحلي من الحياكة من جديد وانتشرت هذه المهارة وأعيدت لها الحياة ونظمت عددا من الدورات التدريبية لهن أنظم لها العديد من الفتيات لشق خط مهني خاص بهن واشتهر العمل بالحياكة في المدينة.

أما أمي مع كل تطورات السوق وانتشار دور الأزياء للتصميم والحياكة بشكل عصري ومرتب جدا لا تزال ترى بأن لا يستحق أحد أن يقوم بهذه المهمة سواها وتستفرد وحدها بتعديلات وترتيب ملابسنا التي تحتاج حياكة وترتيبا.

ماتقييمك لهذا المنشور !

المشاركة على مواقع التواصل الإجتماعي

تعليقات (5)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *