إلى أمينة
الهادئة، الصادقة، المخلصة، الواعظة، النقية، التائهة في ليبيا منذ أكثر من 40 عاما دون هوية
يقولون إن دستورنا القادم بليبيا سيمنحنا هيبة ومكانة سياسية، ولكني أعتذر منك، فرغم كل هذه الاجتماعات والندوات، والمؤتمرات حول الدستور. فهو لن يجمعني بك تحت مظلة دولة ووطن واحد، أنت من ولدت هنا قبلي، تظل صرخاتك لا تسمع وكدماتك لا ترى ومعاناتك لا تحدث ضجيجا سوى بداخلك، تحترقين داخل دولة تجعلك رهينة داخل أسلاك مفخخة من المستحيل تجاوزها وعبورها.
أنا آسفة يا أمينة، آسفة لكل يوم قضيته وأنت مجرد رقم تتخبطه القرارات والسياسات لمصالحها، ووتعابث به كمسكنات ومغازلات حقوقية. الأمر لم يكن هين حين اكتشفت أن أبسط الحقوق التي تعتبر مسلمات بالنسبة لي، هي من المستحيلات لك، وأن جواز السفر بالنسبة لك، لا يعني فرصة للسفر والترحال، بل هو أداة قوية تُعَبِرِينَ بها عن وجودك، انتمائك هويتك، التي يحاول الكل حرمانك وتجريدك منها.
اللعنة علينا جميعا، كيف يمكننا تجريدك وأبناؤك مما هو حق أصيل لك، لوصفك كدخيلة، ومهددة للنسيج الاجتماعي. رباه، حقا لا أدري كيف أعتذر لك وعن أي نسيج يتحدثون. هل من سمات واضحة لهذا النسيج عند مدعي حمايته.
أخاف جدا من دستور سيفصلنا، من شعب يستنكر وجودك ويرمي أعتى كلمات الحقد والغضب عليك. أتذكر جيدا في أحد لقاءاتنا يوم أخبرتك عن أحلامي وكيف أخطط لمستقبلي، تلك النظرة بعينيك المليئة بالدفء والتشجيع لم تمح من ذاكرتي، وأنت ترديدين لي، احلمي يا بشرى وافردي أجنحتك الحياة أمامك فانطلقي. في الوقت التي كنت ولا زلت مكبلة، يلفون الحبل حولك ويضيقونه يوما تلو الآخر، يشحذون سكين قراراتهم وقوانينهم دون كلل حول رقبتك.
كلنا سنموت في النهاية، ننسى في النهاية، لماذا هذا الحقد يملأ قلوبنا ويستنكر وجودكم بيننا، ويضيق الأحوال عليكم يوما بعد يوم.
وسط هذه الفوضى التي نعيش وهذا القهر والخوف الذي يملأ قلبك، أنا آسفة يا أمينة. أنا آسفة لكل ما يحدث لك ولرفاقك. أعتذر لأبنائك، لوالدك المفقود بحرب تشاد. أعتذر منك لدولة لا تعترف بك إلا في الحروب، تعاملك معاملة عنترة بن شداد مع قبيلته عبس، فتأكدي، كل من يرفض انتمائك هنا، هو فاقد للإنسانية، لأخلاقه.
هذا الوطن خيباته لا تحصى يا أمينة، يحاووطنا بعنصرية قبيحة ويتضاعف خوفنا بالاستمرار بالعيش هكذا.
إليك يا أمينة
المجد لك ، والتاريخ لك ، والقوة لك
وهذا الوطن أيضا لك
ماتقييمك لهذا المنشور !
اترك تعليقاً