التصنيفات
في سبتمبر وجدت نفسي أرافق شابا هاربا من كل مااعتدناه، يبتعد عن كل ماهو مألوف.. هاربا إلى البرية ألى أقصى نقطة من الأرض، يترك المدينة ، العائلة ، الأصدقاء، ليقف في مواجهة الطبيعة وحده. فلم into the wild كان عنوان لفلم شاهدته بشهر سبتمبر، وتركني في حالة من التأمل لفترة طويلة بعد انتهائه، باختصار جعلني أعيد النظر في مفاهيم متعددة عكست أسئلة كبرى عن العائلة، المجتمع، الحب ، السعادة ، المسامحة ، الأمل.
الفلم عن قصة واقعية لكريستوفر ماكندالس، ماكندالس ليس بشخص يختلف عن واقعنا، لم يكن بطلا خارقا بل شابا عاديا ضاق ذرعا بعلاقته بوالدية المتعثرة، رافضا للصورة النمطية الذي يحاول المجتمع تأطيرنا من خلالها، أن تكبر، تتخرج، تتزوج، تعمل…، دون أن تسأل نفسك هل هذا حقا ما نريد. وأعتقد أن هذه كانت مجمل الأسباب الحقيقية الذي جعلت من ماكندالس متمردا، يذهب بعيدا ليستمتع بالحرية المطلقة بلا هاتف، بلا انترنت بلا تواصل إلا مع الأرض والسماء. لكنه سيكتشف لاحقا أن البرية ليست مكانا للهرب بقدر ماهي مساحة لإختبار الذات..
طوى ماكندالس صفحة المدينة المريحة وألقى بنفسه في كتاب الطبيعة المفتوح . أنسحب بالكامل من أسلوب حياة مريح مترف ليذهب في رحلة للإستكشاف لينتهي به المطاف بالطبيعة هناك بحافلة مهجورة بالألسكا. قصته تلخص باقتباس كان قد كتبه بمذكراته في اخر ايامه أعتقد انه كاف ليخبرنا بأن الهروب من المجتمع المحيط بك لن يمنحك السعادة ، فقد ترك لنا اقتباس أعتقد انه كاف لنسامح كل من حملناه يوما السبب في تعاستنا أو حتى فشلنا فقد كتب “السعادة تكمن في المشاركة”.
تساءلت وأنا أتابع قصته .. كم مرة حملت في قلبي ضغينة ، وظننت أن الرحيل سيحررني ، بينما كان العفو هو الباب المفتوح أمامي ؟لو كان قد سامح والديه ، ربما كانت رحلته ستأخد منحنى أخر . ترك لنا اقتباسا يقول ” عندما نغفر… نحن نحب”. أحيانا ، التمرد على الألم لا يحتاج إلى السفر ألاف الأميال ، بل إلى قلب يتسع للعفو.
رحلة ماكندالس كانت درس له وللأشخاص الذي مر بهم على طول الطريق، ألهمهم وأجبرهم على التفكير بشكل مختلف من غير قصد، هذا يؤكد لنا أن بإمكاننا دوما التأثير على محيطنا بغير قصد.
بالفلم أشار ماكندالس إلى عدد من المؤلفين ، الذين أثروا فيه بشدة مثل هنري ثورو عالم الطبيعة والفيلسوف الذي أعتقد أن الناس يمكن أن يجدوا أنفسهم في روحانية الطبيعة، لكن ماكندالس أخذ هذه الأفكار إلى جهة مخالفة، وإستخدمها بطريقة مغايرة، لم يشجع ثورو نظرية الإنفصال عن المجتمع، لكن ماكندالس هنا كان يرى أن الحياة بمجملها تتجلى في البرية والطبيعة وإن بإمكانه القيام بذلك منفردا. لكن للأسف أدرك أنه خاطيء متأخرا، حين كتب في مذكراته أنه أشتاق إلى الناس إلى التواصل مع البشر، كان ذلك بأيامه الأخيرة بالألسكا لينتهي به الأمر بالذبول والموت جوعا بالبرية.
المفارق في الأمر كما ذكرت سابقا أنه كان يلهم من مر بهم وحفزهم على الإستمرار في العيش واستكشاف الحياة ، كان يحاول اصلاح مشاكلهم وعلاقاتهم، وللأسف، نفس الأمر الذي كان ماكندالس يهرب منه، كان يثبت للآخرين أن العلاقات والتواصل مهم لكنه يهرب منه بنفس الوقت .
ألخص الفلم بعدد من النقاط:
المسامحة… الباب الذي لم يفتحه:كان بإمكانه أن يغفر لوالديه، لكنه بدلا عن ذلك لم يفعل، وبآخر الفلم ترك لنا ماكندالس هذا الإقتباس “عندما نغفر نحن نحب” “when forgive we love” ، نحن دائما ما ننكر الخير الذي بأيدينا، بالحقيقية نحن سعداء حتى لو لم ندرك ذلك، كان اكثر سعادة عندما كان يتخيل ويحلم بالألسكا ، وهذا يشير إلى مبدأ أن الحياة رحلة، والرحلة نفسها تجعلنا سعداء إذا تمكنا فهمها.
العائلة…جذر الهوية: تم التركيز بشكل كبير في الفلم على قضايا ماكندالس مع والديه وتمت الإشارة أن بسبب المشاكل العائلية فقد الثقة في العلاقات الإجتماعية والتواصل ورفض المجتمع. بحقيقية الأمر يغفل الوالدين في بعض الأحيان أن مايمرون به من خلافات عائلية أو اغراق أبنائهم بالماديات والترف المبالغ قد يكون سبب الضياع الأبناء وتشتتهم دون قصد.
العلاقة مع الله: حين ابتعد عن كل البشر، بقى ضعيفا ووحيدا في مواجهة الطبيعة ، أدرك أن الإنسان بلا أيمان يفقد البوصلة ، حتى لو ظن أنه حر.
رحلة البحث عن السعادة: تلخصت في إدراك ماكندالس بأيامه الأخيره “السعادة تكون حقيقة عندما نتشاركها مع الآخرين” “Happiness is only real when shared”
بإختصار أستطيع القول أن تتمرد على ما أنت فيه من نِعم، وأن تتخلى عن الخوف، أن تكسر الحدود الذي وضعناها لأنفسنا أو رسمها المجتمع لنا، ليس بالخطيئة. ولكن قبل إتخاد أي قرار مصيري، يجب عليك على الأقل أن تضع خطة لرحلتك وسلامتك، وأحيانا كثيرة يمكنك ترتيب الوضع الحالي بدلا من أن تذهب بمفردك إلى البرية
ماتقييمك لهذا المنشور !
اترك تعليقاً